صلوووح الخباني نائب المدير العام
عدد المساهمات : 12 نقاط : 49860 تاريخ التسجيل : 05/04/2011 العمر : 29
| موضوع: مهنة الغوص الثلاثاء مايو 10, 2011 2:13 am | |
|
البيئـة الجغـرافية تحـدد مهنـة الســكان
يحدد الجغرافيون عادة طبيعة ونوع المهن والحرف التي يزاولها سكان كل منطقة طبقاً لنوع بيئـة الأرض التي يعيشون عليها ، فالأرض الجبلية غير الأرض الصحراوية ، وكذلك الأرض ذات السهول الواسعة وذات التربة الزراعية ، غير الأرض الساحلية وذات الطبيعة البحرية ، وكذلك الأمر بالنسبة بمناخ كل منطقة فإنه أيضاً يحدد نوع العمل الذي يمارسـه أهـالي هذه المنطقـة .
ودولة الإمارات كما أسلفنا في ذكر الموقع الجغرافي لها فأنها منطقة تجتمع فيها ثلاث بيئات طبيعية ، فالجزء الشرقي منها ذو طبيعة جبلية ، والجزء الشمالي والشمالي الشرقي ذو طبيعة ساحلية ، والجزء الجنوبي والجنوبي الغربي ذو طبيعة صحراوية ، وهو يمثل أكثر الجهات مساحة في البيئة الجغرافية للدولة إلا إننا نجد أن غالبية سكان دولة الإمـارات يتركزون في المنطقة الساحلية مما جعل للبحر أثراً فعلاً في تحديد حرف هؤلاء السكان في القديم وقبل ظهور النفط ، فقد ألف الإنسان الإماراتي البحر منذ أن وجد على هذه الأرض ، وأخذ يتعامل معه كمورد من موارد عيشه في الداخـل والخارج ... ومن ذلك نجد أن الإنسان قد كيف نفسه مع هذه البيئة باحترافه مهنـاً تناسب طبيعة البحر ، مثل صيد السمك – صناعة السفن والقوارب – صناعة شباك الصيد – الغوص – صيد اللؤلؤ – نقل البضائع عن طريق البحر بين دول آسيا وأفريقيا – التجارة والأسـفار .
وكذلك فإن سكـان الإمارات في القديم أيضاً كان بينهم تفاوت في مزاولة هذه المهن ، فلو أردنا أن نحـدد نسبة من السكان كان معظمهم يمارس مهنة الصيد ، وأقلهم الذين يمارسون مهنة التجارة حسب ما يشير إليه الجدول في رقم (2) وهذا كله قبل ظهور النفط كما أسـلفنا سـابقاً :
م |
[size=9]اسـم الحـرفة |
النسبة المئوية | 1 | صيـد السـمك |
80% | 2 |
الغوص وصيد اللؤلؤ |
50% | 3 | صناعة شباك صيد السمك |
40% | 4 | صناعة السفن والقوارب |
20% | 5 | السـفر في نقل البضائع |
40% | 6 | التجـارة |
15% | 7 |
الرعـي والـزراعـة |
8% |
صيد اللؤلؤ وتجارته في دولة الامارات العربية المتحدة
ما من إحدى الحرف التي أملتها ظروف الطبيعة البحرية على إنسان هذه الدولة كما أشرنا وما أتضح من الدول المبين في شكل رقـم (2) من إتجاه السكان إلى هذا النوع من الحرف لمواجهة أعباء المعيشة في القديم إلا أننا لا نستطيع أن نتحدث عن صيد اللؤلؤ وتجارته بمعزل عن حرفة الغوص ، إذ هي المرحلـة الأولى والأساسية في مهنـة صيد اللؤلؤ ، فإذا تبينـا معالم هذه المهنة جيداً استطعنا أن نستجلي ما يتعلق بصيد اللؤلؤ وتجـارته بصورة دقيقـة .
مهنـة الغـوص
" الرحـلة والمعـاناة "
ثمـة أسباب كثيرة دفعت بالإنسان الإماراتي إلى خوض غمار هذه المهنة ، على رأسها توفير لقمة العيش له ولمن يعول من أهل وأولاد ، ولعدم وجود مصادر رزق بديلة تغنيه عن المخاطرة بنفسه لما هو قادم عليه في هذه الرحلة ، لذلك لم يكن من الأمر بد أمـامه إلا أن يواجه شظف العيش بهذه الطريق الوعرة راضيـاً بقدر الله له ، قانعاً بما يقسـمه له من رزق .
ومهنة الغوص هذه مهنة قديمـة ، أشبه ما تكون وراثية تعاقبتها الأجيال الماضية وهي ليست مهنة خاصة بدولة الإمارات ، وإنما لمنطقة الخليج العربي بصفة عامة ، ولكن ربما كانت هذه المهنة قد أخذت أبعاداً واضحة في دولة الإمارات عن غيرها من دول الخليج العربي ، من حيث الحاجة إليها والاهتمام بها واستمرارها لفترة طويلة على اعتبار أنها مصدر الرزق الأساسي لأبنائها في تلك الفتـرة ، لذلك لا غرابة أن نرى ما بلغته أعداد سفن من جميع الإمارات مقارنة بأعداد سكانها حتى عام 1907ميلادية ، إذ بلغت إحصائيات الغوص في ذلك العام ما مجموعه (1215) سفينة غوص ، كان يعمل عليهـا حوالي (22045) رجلاً من أبناء الدولة حسب توزيعات الجدول الذي يشير إلى ذلك في الإحصائية رقم (3) . [size=21] [size=9]الإقليــــم |
المنطقــة |
المينــاء |
عدد السفـن |
عدد العاملين |
إمـارات الخليج |
رأس الخيمـة |
رمـس |
3 |
45 | إمـارات الخليج | رأس الخيمـة | رأس الخيمة |
33 |
707 | إمـارات الخليج | رأس الخيمـة | جزيرة الحمـرة |
25 |
608 | إمـارات الخليج |
أم القيـوين | أم القيـوين |
70 |
1.759 | إمـارات الخليج | الشـارقة | الحمـرية |
17 |
259 | إمـارات الخليج | عجمـان | عجمـان |
40 |
781 | إمـارات الخليج | الشـارقة | حسـيرة |
25 |
405 | إمـارات الخليج | الشـارقة | الشـارقة |
183 |
3680 | إمـارات الخليج | الشـارقة |
خـان |
74 |
1295 | إمـارات الخليج | دبــي | دبـي |
335 |
6936 | إمـارات الخليج | أبوظبي | أبوظبي |
410 |
5570 |
شكـل رقم (3) إحصائية لسـفن وبحـارة الغـوص [/size]
ادوات الغـوص : [size=9]
وللقيـام برحلة الغوص اسـتعدادات غالباً ما تكون جماعية ، إذ أن هذه المهنة لابد أن تقوم بها مجموعة كبيرة من الأفراد ، وليس بالأمر السهل الحصول عليهم ، والذي يفترض أن يكون أغلب هؤلاء الأفراد ممن يجيدون عملية الغوص والسباحة .
وهب أن هذه الرحلة مهمة وحتمية فصعوبتها تكمن في البحث عن ممول لها يستطيع القيام بالاتفاق على تكاليفها من ناحية ، وتغطية نفقات البحارة من ناحية أخـرى ، إذ أن الاستعداد لهـذه الرحلة يبـدأ بتجهيز السفينة الصالحة للسفر ، ثم توفير أدوات الغوص لكافة البحارة على ظهر السفينة ، الذين غالباً ما يصل عددهم إلى (40) بحاراً تقريباً ، وهذه الأدوات كما تبينها الصورة في الشكل رقم (4) وتتمثل في الآتـي :
الفطـام : هو المشبك الذي يضعه الغواص على أنفه لئـلاً يدخل إلى جوفـه الماء حماية من الغـرق أثنـاء غوصه إلى قاع البحر لجمع الأصداف .
الثقـل أو الحجارة (البِلذ) : كتلة من الحجارة أو الرصاص يربطها الغواص في إحـدى رجليه لتعينـه أثناء عملية الهبـوط إلى أعماق البحر .
الشمشـول : وهو الرداء الذي يلبسه الغواص أثناء قيـامه بعملية الغوص ، وعادة يكـون من القماش السميك وذا لون أسـود .
الخّبْـط : وهي مجموعة قفافيـز يضعها الغواص في أصابع يديـه أثنـاء جمع الأصـداف والمحـار في قاع البحـر .
الـدّييـن : وهو الكيس الذي يضع فيـه الغواص ما يجمعه من أصـداف ومحار أثناء كل عملية غوص تحت المـاء ، ويعلق هذا الكيس دائماً في رقبة الغواص أثنـاء قيـامه بمهمة الغوص .
اليـّـدا : هو الحبل المتصل بين الغواص والسيب والذي عن طريقه يرتفـع الغواص إلى ظهر السفينة بعد كل عملية غوص إلى أعمال البحر ، ويكون عادة طويلاً حتى يمكن الغواص من التحرك بواسطته إلى مسافات بعيـدة تقريبـاً عن السفينة حسب ما يتراءى له وجود المحـار .
المفلّقـة : وهي أداة أشبه بالسكين يستخدمها البحـارة في عملية فتح الأصداف للبحث عما بداخلها إذا كانت تحتوي على لؤلؤ أم لا .
الزيبـل : وهو الحبـل الذي ينزل به الغواص إلى عمق المـاء أثناء بحثـه عن الأصـداف .
ملكيـة سفينة الغـوص :
ترجع ملكية سفينة الغوص إلى أحد ثلاثة ، إما أن يمتلكها الربان (النوخذا) نفسه وتسمى في هذه الحالة (الخلوية) أي إعداد السفينة وتمويل رحلة الغوص والتكفل بنفقـات البحارة كلها على حساب هذا الربان ، وحينئذ يكون عائد هذه الرحلة يتصرف فيه هذا النوخذا بنفسه وكافة ما يتعلق بشئون البحارة ، وإما أن تعود ملكية سفينة الغوص إلى أحد تجار اللؤلؤ ، وتسمى في هذه الحالة (الحلالية) بمعنى أن هذا التاجر عليه إعداد السفينة وتكاليف البحارة وأجرة (النوخذا) فيكون عائد رحلة الغوص تحت تصرف هذا التاجر ، وقد تستأجر سفينة الغوص من شخص آخر وتسمى في هذه الحالة بـ(المستأجرة ) يخصص نصيب وأجرة محددة من عائد الغوص للمؤجر بعد العودة من الرحلة وبيع اللؤلؤ . ويقدر بالخمس من المحصول .
هذا التقسيم الذي أشرنا إليه أنفـاً اتخذ من أجل ضمان نصيب مقابل استخدام السفينة طيلة رحلة الغوص ، وما تتعرض له هذه السفينة من أعطاب أو تلف لينفق على إصلاحها منه فيما بعـد .
ومن المناسب هنا أن نذكر بعض أسماء السفن المستخدمة في رحلة الغوص والتي تصنع محلياً بمواصفات معينة ، وكان الأهالي يطلقون عليها التسميات التالية :
سـفن الغـوص :
جالبـوت : من السفن المستخدمة في دولة الإمارات ، تصنع محلياً ، وكثيراً ما تستعمل في رحلات الغوص والبحث عن اللؤلؤ ، كما تستخدم في الأسفار ونقل البضائع وصيد السمك في الأعماق البعيدة .
يتراوح طول (الجالبوت) ما بين 20-30 قدماً ، كما تبلغ حمولته من 15-60 طناً ، ويقال أن أصل تسمية (جالبوت) كلمة إنجليزية تعني قارب النزهة ، وتروى بعض الكتب أن الكلمة مشتقة من اسم المركب البرتغالي (جالبوتا) ، وبعضهم يذكر أن الكلمة مشتقة من اسم السفينة الهولندية (دالي بوت ) ، وقد ذكر الرحالة (ابن جبير ) أنه سافر في إحدى رحلاته عام 1183م على ظهر هذه السفينة قائلاً : (ركبنا الجلبة للعبور إلى جدة ) .
السـبنوك : يصنع محلياً ويستخدم في أسفار الغوص وصيد السمك ، ويبلغ طوله حوالي (60) قدماً ، وتتراوح حمولته ما بين 25-60 طناً ، ويقال أن السنبوك في الأصل يعتبر من سـفن المصريين القدماء ، وهناك قول بأن أصل التسمية فارسية .
وأشار الرحالة (ابن بطوطة ) في إحدى رحلاته قائلاً : (ركبنا من ساحل البصرة في صنبوق – وهو القارب الصغير- إلى الأبلة ، وبينها وبين البصرة عشرة أميال ) .
الشــــوعى : سـفينة تصنع محلياً وتستخدم في أسفار الغوص وصيد السمك ، يتراوح طولها ما بين 40-60 قدماً ، وقد دخلت هذه التسمية في دولة الأمارات أواخر الستينات ويطل عليها أحياناً (اللنج) وهذا النوع من السفن هو الشائع في الدولة في الوقت الحاضر وبنفس التسمية .
بئيـل : من أقدم سفن الغوص ، تتراوح حمولتها بين 20-50 طناً ، يقال أن سبب تسميتها يعود إلى أسـرة هندية تسمى (باتيل) من مدينة (كلكتا ) بالهنـد .
الصمعـا : سفينة تشبه الجالبوت ، إلا أنها تختلف عنه في السعة والعمق ، فهي في حجم الوسط بين الجالبوت والبكارة ، وهي من أقدم سـفن الغوص في الإمارات .
بكَـارة (بقـارة) : من سـفن الغوص القديمة ، تتراوح حمولتها بين 10-30 طنـاً ، ويرجع سبب تسميتها إلى قبيلة (البقارة) السوادنية على ساحل البحر الأحمر .
هذا وهناك سفن وقوارب صغيرة تستخدم للتنقل السريع بين السفن الكبيرة والأخوار والشواطئ داخل الإمارات ، يطلق عليها الأهالي تسميات مختلفة مثل : (الشاحوف- الماشوة – الهورى – العاملة ) وهذه السفن غالباً ما تستخدم للغوص في مسافات قريبة من الشاطئ ، وأحياناً يتنقل بها الطواويش بين سفن الغوص الكبيرة وهي في مواقـع الصيد .
وجميع السفن التي ذكرت آنفـاً كانت تعتمد في قوة اندفاعها على الشراع والمجداف ، لذلك فان السفن الكبيرة منها تستخدم مجموعة من المجاديف يمكن يصل بعدد البحارة الذين على ظهر السفينة ، وأحياناً أكثر من شراع ، ولذلك كان عرب الخليج هم أول من استخدم الشراع المثلث في عالم الملاحة والبحار .
وصـف الرحـلة وأعمـال البحـارة :
قـد أشرنا سـابقاً إلى أن من أسباب التحاق إنسان الإمارات بمهنة الغوص هو توفير لقمة العيش له ولأولاده ، وهنا تحدث عملية مقايضة ومبادلة بين جهد ومال بخس وزهيد يتقاضاه ذلك البحار من ممول الرحلة قبل أن يركب على ظهر السفينة لكي يؤمن به رزق أهله فتـرة غيابه في رحلة الغوص هذه التي قد تمتد إلى أربعة أشهر ، ربما لا يعود بشيء من المال ، وربما قد لا يعود هو بنفسه من هذه الرحلة أبـداً .
وإذا ما تكاملت الاستعدادات وتوفرت الأسباب للانطلاق والسفر في هذه الرحلة عند موسم الغوص ، تجمعت هذه السفن لتبدأ الرحلة في وقت واحد كقافلة تسمى ( السنيار)، وهنا يتجلى مظهر من مظاهر التعاون والتكاتف بين هذه المجموعات على أظهر سفنهم تبرز من خلاله المروءة والنجدة والمواساة والخبرة بما تتطلبه الأحداث الطارئة أثناء رحلة الغـوص .
وربما يكون الإبحار إلى مسافات بعيدة قد تتجاوز المياه الإقليمية لدول الخليج وربما يكون الموقع عند أعمال بعيدة ولجج مظلمة لا يكاد البحر يهدأ فيها من هيجانه وموجه ، وربما يكون هذا الموقع ملتقى تيارات مائية وعواصف رعدية وأمطار موسمية لا تنفك طيلة أيـام الرحلة ، لكنه قدر لا مفر منـه .
وهناك على ظهر السفينة ينقسم العمل إلى مجموعات يرأسها جميعاً ربان السفينة (النوخذه) ، وهذه المجموعات يطلق عليها التسميات التالية :
الغاصـة (الغواصون ) : وهم الذين توكل إليهم مهمة الغوص والبحث عن الأصداف في قاع البحر وإخراجها إلى ظهر السفينة منذ بداية النهار وحتى قبيل غروب الشمس طيلة أيام رحلة الغوص .
السـيوب : وهم الذين يقومون بمساعدة ومعاونة الغاصة عند خروجهم من البحر بعد كل عملية غوص يقومون بهـا .
الرظيـف : وهو يعتبر مساعد السيب ، يقوم بنفس مهمة السيب بالنسبة للغـواص .
المجدمـى (المقـدم ) : وهو يعتبر نائب النوخذا ، توكل إليه مهمة الإشـراف على عمل البحارة على ظهر سفينة الغوص .
السكوني أو اليلاس : وهو الذي توكل إليه مهمة توجيه دفـة السفينة حسب المواقع التي تحدد له من قبل النوخذا (الهيرات) ، والمراد بها المغاصات التي تتواجد بها أصداف اللؤلؤ .
التبــــابين:وهم صغار البحارة الذين يقومون بعمليات تدريب على الغوص ، وتقديم الخدمات لكافة البحارة .
وهناك مجموعة تكون مهمتها إعداد الطعام والتجديف وقت الإبحار وصيد السمك المطلوب إعداده للوجبات .
هذا الوصف لرحلة الغوص التي قد تستغرق قرابة الأربعة أشهر بعيداً عن الأهل والوطن ، تواجه خلالها المجموعة التي على ظهر السفينة ألواناً من المتاعب والمعاناة تتمثل في قلة الطعام ، وعدم جودته ونظافته ، وعدم توافر الخدمة الطبية اللازمة لإسعاف المريض منهم ، وعدم وجود الراحة الكافية من عناء الغوص المستمر الأيام والساعات الطوال من النهار في هذه الغربة ، إلى جانب عدم وجود سياسة حكيمة من قبل ربابنـة سفن الغوص تترفق بهؤلاء البحارة ، إلا ما ندر منهم ، إذ المهم عند هؤلاء الربابنة جمع أكبر كمية من الأصداف والحصول على اللؤلؤ فقط ، ولا مكان عند معظمهم للبحار المريض أو المتعب ، أو منح البحارة الراحة اللازمة كي يستعيدوا فيها نشاطهم ، كل ذلك لا يراعيه كثير من هؤلاء النوخذه ، بالإضافة إلى ما يصارعه الغواص من أمواج البحر وما في أعماقه من كائنات لها من الخطر ما يجعلها تفتك بهذا الغواص وتحوله إلى فريسة ولقمة سائغة ، وعلى رأس هذه الكائنات (سمك القرش) ذلك الحيوان المفترس ، لاسيما وأن رحلة الغوص تخلو من أدوات النجـاة أو حتى مما يمكن أن يوقي بـه الغواص نفسه مما يتعرض له في المـاء .
ومن غرائب ما يحكى حول متاعب هذه الرحلة وقسوتها أنه لو لاحظ (النوخذا) على أحد البحارة أنه يتمعارض أو يتهاون عن العمل لظرف ما ، أو خالف ما يوجه إليه من أوامر ، فإن هذا البحار يلقى عقاباً أليماً لا يوازي حجم الذنب الذي ارتكبـه ، ربما يعاقب بالضرب ، أو تتخذ معه سياسة التجويع ، وأحياناً يلجأ به إلى التشريد والطرد من السفينة فيظل يسبح المسافات البعيدة ربما يصل وربما لا .
أما من يصاب بمرض قد لا يشفى منه طيلة أيام الرحلة ، فهذا يعتبر معطلاً للغوص ، ربما تتعاون عليه ظروف تعجل بموته ، كعدم وجود الدواء المناسب ، وقلة الإسعاف إلى جانب عدم العناية والبعد عن الأهـل مما يصعد من تفكيره في نفسه وأهله ، فإذا ما وافته المنية على ظهر السفينة لا يجد من يبكيه ، بل أسرع وسيلة عند النواخذا التخلص منه ورميه في مياه البحر غذاءً للسـمك .
ورغم ذلك فإن رحلة الغوص تعد ملتقى لكبار الرجال من القبائل في الإمارات يتم خلالها التعارف بين أصول هذه القبائل ومد الصلات معها بالمصاهرة التي تعمل على تنقية المجتمع والمحافظة على عاداته وتقاليده .
ولا تخلو هذه الرحلة من مناسبات الترفيه التي تعتمد على صوت (النهام) مطرب القوم وشاعرهم وهو يسلى البحارة وينسيهم متاعب هذه الرحلة ، ويحثهم على الجد والنشاط وهم غربة عن الوطن والأهل .
القفـال والعـودة من الرحلـة :
وعـادة يبدأ موسم الغوص في فصل الصيف ويستمر حتى أوائل الخريف ، ثم تبدأ بعد ذلك رحلة العودة ، وتسمي عند أهل الإمارات بـ (القفال أو الردة ) وهناك تقليد يتخذ في هذا الموسم ، فيعين حاكم الإمارة أحد ربابنة سفن الغوص قائداً ورئيساً على الموسم ، هو الذي يحدد بدء موسم الغوص وانتهاءه وعلى جميع سفن الغوص التقيد بهذا الموعد والالتزام به بداية ونهاية ، ويقال له (السردال) ، وقد عين في أحد مواسم الغوص بإمارة عجمان الوالد محمد بن سيف بن تريس أميراً في هذا الموسم ، وهو من النواخذة المشهورين في الإمارة .
وموعد وصول سفن الغوص إلى البلد يعتبر عيداً للأهالي ، وتغمر الفرحة وجوههم بعودة المسافرين والمفارقين لهم ، وهي أيضاً فرحة ينتظرها النواخذة وتاجر اللؤلؤ بفارغ الصبر ، إذ أنها فترة الحصاد لجهود دامت أربعة أشهر أو تزيد ، ولا زال مقدار نصيب كل ممن على ظهر سفينة الغوص مجهولاً حتى بيع اللؤلؤ ، وعقد مجلس المحاسبة في بيت النوخذة ، علماً بأن عدد الأسهم محددة مسبقاً قبل بـدء الرحلة ، فإن نصيب كل من (النوخذا) والغواص قد قدر بثلاثة أسهم ، ونصيب (السيب) بسهمين ، ونصيب (الرظيف) بسهم واحد ، ويطلق على السهم اصطلاح محلي في أيام الغوص ، فيعرف بـ( الحاصلة أو القلاطة ) ولا توزع هذه الأنصبة إلا بعد أن يقتطع ثمن تكاليف السفينة والديون المتعلقة بالمؤجر أو الممول لرحلة الغوص ، ثم بعد ذلك قد تتفق الحسبة أن لا يخرج عائد مادي لبحار ما نظراً لما استغرق نصيبه في الدين الذي عليه قبل الرحلة ، وفي هذه الحالة إما أن يعود بلا نصيب ولا عطاء ، بل ويمكن أن يزيد من دينـه نتيجة تراكمات سابقة أثناء الرحلة ، ولكن تبدر من بعض النواخذة مساهمات طيبة يخففون بها على هذا البحار التأثير النفسي نتيجة هذا الموقف كرد منهم على جميل الصحبة وحسن العمل ، بأن يقدم لهذا البحار مبلغ من المال على جهة السلفة تضاف إلى ديونه للسنة القادمة ، وذلك لإرضائه وتحبيبـه في الاستمرار مع هذا النواخذة في رحلات الغوص القادمة ...
يقول أحد شعراء النبـط/ سعود الدوسري/ من أبناء الدولة في إمارة عجمان ، وكان والده – يرحمه الله – من كبار تجار اللؤلؤ في الدولة ، يقول هذا الشاعر : [size=9]
في زمـان الغوص والوقت المـرير والشـقا عنوان في صـحرا الهجير
والبدو تسرح على ظهـور المطايا والحضر في رجـوة اليـم الغـزير
حـوض الخليـج العـربي ونمـو اللـؤلؤ
تؤكد المصادر التاريخية والجغرافية التي اهتمت بأمور الملاحة في الخليج بما أن حوض الخليج العربي يعتبر أنسب بيئة لتكون ونمو أصداف اللؤلؤ عن بقيـة البحار والخلجان في الجزء المائي في الكرة الأرضية ، وهذا يرجع إلى عـدة أسباب وعوامل منهـا :
1- التكـوين الجيولوجي لقـاع الخليج العربـي
إذ أن قـاع هذا الخليج يمتاز بصفاء مائه ونعومة رماله وشـده بياضها مما يجعلها تغطى التكوينات والشعاب المرجانية ، وتطغى على المواد الطينية التي تشكل الطبقة العازلة لتكون اللؤلؤ أو اختفائها تماماً .
2- دفء المــاء
إذ أن موقع الخليج العربي جغرافيـاً في المنطقة القاريـة فهي ليست بالحارة ولا بالباردة ولكنها منطقة معتدلة تمتاز بدفء مياههـا طوال السنة ، إذ أن مياه البحار الدافئـة تعتبر من العوامل المساعدة على تكون ونمو اللؤلؤ وتواجد الأصداف الحاملـة لـه .
3- قلـة العمـق لميـاه الخليج العـربي
إذ أنه من المعروف أن أصداف اللؤلؤ غالباً ما تكون عائمة فـوق رمال القاع ولست ملتصقة به ، ومعلوم أيضاً أن بحر الخليج العربي يصل عمقه ما بين 21-35 (قامة) – وحدة قياس ملاحية قديمة – أي أنه كلما كان عمق البحر في مستوى ليس بالمرتفع كان مدعاة لأن يكون البيئة المناسبة لتواجد أصداف اللؤلؤ .
هذه الميزات في ميـاه الخليج العربي جعلته أكثر المناطق المائية في العالم خصوبة وأنسبها بيئة لتكون الشطوط والمغاصات التي تتجمع فيها أصداف اللؤلؤ ، بل وأن الأماكن الأفقية من مياه الخليج والتي تتوافر بها تلك الميزات الأنفة الذكر تكون هي أكثر المواقع في مياه الخليج وفرة وسهولة لصيد اللؤلؤ ، وغالباً ما تكون هذه المناطق في الجانب الغربي من خوض هذا الخليج ، إذ أن الخليج العربي يمتد بين ضفتين ، إحداهما مما يلي السواحل الإيرانية ، والثانية مما يلي سواحل دول الخليج العربية الواقعة عليه .
لهذه الأسباب كما قلنا يجمع المشتغلون بتجارة اللؤلؤ على أن أجود أنواع اللؤلؤ هو الذي يأتي من بحر الخليج العربي ، علماً بأن هناك مغاصات ومناطق توجد بها أصداف اللؤلؤ القريبة على حوض الخليج العربي مثل المواقع الموجودة في البحر الأحمر ، وبحر عمان ، والجزر المحيطة بالهند ، وشرق أفريقيا ، إلا أنه في أوج ازدهار تجارة اللؤلؤ كان التفضيل للؤلؤ الخليج الذي هو المرغوب لدى هؤلاء التجار ، ولهذا السبب أيضاً اتجهت إلى الخليج أنظار الغـزاة بدافع الطمع واحتكار تجارة اللؤلؤ ، التي هي عصب الحياة قبل اكتشاف البترول ، ليس فحسب لأهل الخليج ولكن للملاحة العالمية والتجارة الدولية قديمـاً وحديثـاً .
مواقـع صيـد اللؤلؤ في دولة الإمـارات :
يشكل الشريط الساحلي للإمارات الواقع على الخليج العربي والذي يبلغ طوله حوالي (650) كيلومتراً في حدود المياه الإقليمية للدولة من حوض هذا الخليج ، وكذلك ساحل الدولة الواقع على خليج عمان والذي يمتد بعمق (75) كيلومتراً من المياه الإقليمية ، تشكل هذه الواجهة الساحلية عدة مواقع تعتبر مصائد ومغاصات مناسبة لصيد اللؤلؤ .
ولكون مهنة الغوص قديمة ورئيسية لإنسان الإمارات منذ أن وجد على أرض هذا الخليج ، فإن هذه المهنة علمته وهو يجوب البحار أن يكتشف ويحدد أماكن تواجد الأصداف ومسافاتها وعلاماتها وأسمائها وطرق الوصول إليها سواء كانت مما تلي موطنه الأصلي الذي يقطن فيه ، أو مما تقترب من الدول المجاورة لبـلده .
ولكون الإمـارات تمتاز بكثرة جزرها المطلة على حوض الخليج العربي مما يجعلها غنية بأماكن اللؤلؤ وصيده في أعماق البحر سواء كان في الواجهة البحرية المطلة على الخليج العربي ، أو الواجهة البحرية المطلة على خليج عمـان .
ومغاصات اللؤلؤ وأماكن صيدها يسميها أهل الإمارات (الهيرات) تتركز أكثرها في الأجزاء المقابلة لساحل الإمارات المطلة على الخليج العربي ، وقد حددت الدراسات الجغرافية مواقع صيد اللؤلؤ في القديم حسب ما يشير إليه الشكل رقم (5) على النحو التالي :
- جزيرة دلما – جزيرة داس – صير بنى ياس – صير بونعير – زركوه – أم الشيف – غناضه .. وهذه الجزر مما تلي إمـارة أبوظبي . - جزيرة أبو موسى .. تلي إمـا | |
|
???? زائر
| موضوع: رد: مهنة الغوص الثلاثاء مايو 10, 2011 2:49 am | |
| |
|